رأي – محمد صالح صدقيان: يتحدث الامريكيون باستمرار عن عزمهم منع ايران الوصول للسلاح النووي؛ وفي مناسبة وغيرها يؤكد المسؤولون الامريكيون ولربما بعض الدول الغربية عدم السماح لطهران انتاج السلاح النووي، وكأن طهران قاب قوسين او ادنى من اقتناء هذا السلاح الذي يعتبر من اسلحة الدمار الشامل الذي تمنعه الوكالة الدولية للطاقة الذرية كما تنص عليه المواثيق والقوانين التابعة لهذه الوكالة.

وعندما توصلت الدول الغربية الى الاتفاق النووي عام 2015 ، تعانق وزراء خارجية مجموعة 5+1 طربا للانجاز الكبير الذي استطاع الحد من الطموحات الايرانية في تنفيذ برامج تخصيب اليورانيوم بمستويات مرتفعة تؤهل الجانب الايراني الاقتراب من مستوى التخصيب القادرة على انتاج السلاح النووي سواء في انتاج الرؤوس النووية او القنبلة الذرية.

واستنادا للاتفاق النووي الذي اودع في مجلس الامن الدولي والذي صدر بحقه القرار 2231 ، فإنه اوكل مهمة المراقبة والاشراف على البرنامج النووي الايراني للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولم تدخر هذه الوكالة جهدا حيث وضعت نظاماً دقيقاً وصارماً لم يستخدم في اي دولة اخرى من الدول الاعضاء في الوكالة المذكورة، لمراقبة البرنامج النووي الايراني بعد ان قبلت طهران الالتزام بالبرتوكول الاضافي الملحق بمعاهدة حظر الانتشار النووي، كبادرة حسن نية، وهو ما يتيح لفرق التفتيش التابعة للوكالة دخول المنشآت، دون علم مسبق من السلطات الايرانية.

ومنذ 20 يوليو تموز من العام 2015 ، وهو تاريخ صدور القرار الاممي 2231 ، صدر من رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية 18 تقريراً بشان البرنامج الايراني، أيدت جميعها السلوك الايراني الذي ينسجم مع الاتفاق النووي كما انها اقرت عدم توجه ايران لعسكرة برنامجها النووي كما أكدت ان ايران كانت ملتزمة بنسبة تخصيب لم تتجاوز 3.45 بالمائة. اضافة الى كل ذلك فان المؤسسة العسكرية الايرانية قالت ان السلاح النووي لم ولن يدخل في اطار القوة الردعية الايرانية استنادا للفتوى الشرعية التي اصدرها مرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي الذي افتى فيها بحرمة استخدام اسلحة الدمار الشامل ومنها الاسلحة النووية.

السؤال الذي يطرح نفسه الان : اذا كانت ايران ملتزمة بالقرار، و السلوك الايراني منسجم مع قوانين الوكالة الدولية .. فلماذا الحديث دائما عن عدم السماح باقتناء السلاح النووي؟ وهل توجد أدلة على نية ايران انتاج او استخدام السلاح النووي؟؟ وأين يكمن مربط الفرس ؟؟؟

والجواب على هذه الاسئلة يتطلب البحث في المصادر التي تغذي الحكومات الامريكية المتعاقبة بشكل خاص، والحكومات الغربية والاقليمية بشكل عام بالمعلومات التي تعطي انطباع انتاج السلاح النووي.

لم يجهد احد نفسه في المجتمع الدولي كما يفعل رئيس الحكومة «الاسرائيلية» نتن ياهو على التاكيد بمناسبة او بغيرها على نية ايران انتاج القنبلة النووية. المجتمع الدولي يتذكر عندما وقف نتن ياهو، على منصة الامم المتحدة عام 2015 ليقدم خارطة توضيحية لقنبلة نووية قال عنها انها سوف تكون جاهزة بيد ايران بعد عامين. في العام 2017 والعامين 2018 و2019 ، وحتى قبل عدة اشهر وتحديدا في يناير كانون الثاني الماضي قال ان ايران على موعد مع القنبلة الذرية بعد 5 اشهر!. كما تعمل منظمة اليهود الامريكيين ايباك بشكل مكثف من اجل تقديم معلومات تتحدث عن نية ايرانية لصناعة القنبلة الذرية. مراكز الدراسات المنتشرة في الولايات المتحدة التي ترتبط بالبنتاغون ومستشارية الامن القومي ووزارة الخارجية الامريكية التي يراسها عادة يهود امثال مارتن اندك السفير الامريكي السابق لدى «اسرائيل» يعملون ايضا ليل نهار لتزويد مراكز القرار في الولايات المتحدة بالمعلومات المضللة التي تسوّقها الماكنة الصهيونية لخدمة المصالح «الاسرائيلية». اضافة الى ذلك، فإن اللوبي اليهودي الصهيوني داخل الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية هو الاخر يعمل لتسويق تصورات تتعدى تقارير المنظمات الدولية من اجل ادانة هذه الدول او تلك خدمة للمصالح «الاسرائيلية» في منطقة الشرق الاوسط. هذا الكم الهائل من المعلومات والدراسات هي التي تعطي المبرر للرئيس الامريكي او بقية المسؤولين، للقول انهم لن يسمحوا لايران صناعة الاسلحة النووية.

الاتفاق النووي الذي توصلت اليه ايران مع المجموعة السداسية الغربية استند الى قاعدة رابح – رابح؛ وبالتالي فإنه ازال القلق عند المجتمع الدولي من البرنامج الايراني اضافة الى انه حفظ لايران احقيتها في امتلاك الدورة الكاملة للتقنية النووية المستخدمة للاغراض السلمية. لكن «اسرائيل» شعرت ان الاتفاق شرّع لشفافية نووية ايرانية غير مرغوبة ، ولذلك عملت على انهيار الاتفاق ليحل محله اتفاق جديد يكون «الامن الاسرائيلي» في صميمه، وهو ما يدعو اليه الرئيس الامريكي دونالد ترامب.

وضع تعليق

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا