ربّما يكون الهدَف المُعلَن لزِيارة السيّد محمد جواد ظريف وزير الخارجيّة الإيرانيّ إلى دِمشق اليوم الاثنين ولقائه بالرئيس السوريّ بشار الأسد، إلى جانِب نظيره وليد المعلم رئيس الدبلوماسيّة السوريّة ومُساعديه، هو العُلاقات الثنائيّة، وهي “الكليشيه” الرسميّة المُستَخدمة دائمًا، وكذلك ما يتردّد عن اجتماعٍ ثلاثيٍّ روسيٍّ تركيٍّ إيرانيٍّ وشيك لمُناقشة اللّجنة الدستوريّة والوضع في إدلب، لكن في غَمرة هذه العُجالة يمُكن القول بأنّ هذه الزّيارة هي مُحاولةُ استِطلاعِ القِيادة الإيرانيّة لحالة الانفِتاح العربيّ المُتزايِدة على دِمشق والقِيادة السوريّة التي ازدادت وتيرتها في الأيّام والاسابيع الأخيرة.

نشرَح أكثر ونقول إنّ إيران التي أعلنت اليوم على لِسان السيّد عبّاس الموسوي، المتحدّث باسم وزارة خارجيّتها، استِعدادها لفتح حوارٍ وإعادة العُلاقات دون شُروط مع جيرانها الخليجيين، تُريد أن تتعرّف على موجة الانفِتاح العربيّة اللّافتة باتِّجاه دِمشق وقِيادتها، وربّما تتطلّع أن تكون شريكًا مُستفيدًا منها، بشكلٍ مُباشرٍ أو غير مُباشر، جُزئي أو كلّي، فسورية وإيران يَقِفان في خندقٍ واحدٍ، وهو خندق محور المُقاومة.

ثلاث اتّصالات وتصريح صحافي كانت تجسيدًا لتغييرٍ مُتسارعٍ في الانفِتاح العربيّ على سورية، الأوّل مِن الشيخ محمد بن زايد، وليّ عهد دولة الإمارات، والثّاني من السيّد محمد ولد الغزواني، الرئيس الموريتاني، أمّا الثّالث فجاء من قبل السيّد هيثم بن طارق، سلطان عُمان الجديد، جميع هذه الاتّصالات جاءت من قبل هؤلاء الزّعماء بالرئيس الأسد مُباشرةً للتّهنئة بعيد الجلاء السوري، ولكنّ الحقيقة هي إظهار حُسن النّوايا، والتّأشير إلى مرحلةٍ جديدةٍ وتطبيعيّةٍ للعُلاقات مع العاصِمة الأمويّة.

ويُسَجَّل للرئيس الجزائريّ عبد المجيد تبون اتّخاذه خطوةً جريئةً تمثّلت في تصريحٍ له لمحطّة “روسيا اليوم” أكّد أنّ سورية من الدّول المؤسّسة للجامعة العربيّة، والجزائر لن تسمَح بأيّ ضرر يلحق بها، أو أيّ دولة عربيّة أخرى، ممّا يفتح الباب على مِصراعيه لاستِعادة سورية لمِقعَدها في القمّة العربيّة المُقبلة التي قد تُعقَد الشّهر المُقبل في الجزائر.

عندما نقول إنّ إيران تُريد أكثر من الاطّلاع على موجةِ الانفتاح العربيّ على سورية، فإنّنا نعني أنّها تُريد أن تكون جُزءًا مِنه، خاصّةً أنّ هُناك توجُّهًا قويًّا لدى دول الخليج، أو مُعظمها، لاستِخدام كارثة وباء الكورونا كبداية للمُصالحة مع الجار الإيرانيّ، وتخفيف حدّة التوتّر معه، في ظِل التّغييرات التي من المُتوقّع أن تطرَأ على الخريطة العالميّة السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة الجديدة التي هي في طريق التّبلور حاليًّا.

باختصارٍ شديدٍ نقول إنّ سورية هي البوّابة العربيّة إلى إيران، والبوّابة الإيرانيّة إلى العرب، واللّافت أنّها بوّابة التّعافي، وبشكلٍ مُتسارعٍ، لأسبابٍ عديدةٍ ليس هُنا مجالُ سَردِها، ولهذا كان هذا التطوّر أحد أبرز أسباب زيارة الوزير ظريف إلى دِمشق.

أخيرًا، لا نَستبعِد أن يكون الاتّصال المُقبل بالرئيس الأسد من الرئيس التونسيّ قيس سعيّد الذي عبّر أكثر مِن مرّةٍ عن مُعارضته لحِصار سورية، ونوّه بمَوقِفها المُعارض للتّطبيع.. واللُه أعلم.

افتتاحية صحيفة “رأي اليوم”

وضع تعليق

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا