تعد ايران نظراً لتنوعها البيئي والمناخي واحدة من أهم المراكز الرئيسية لظهور صناعة الفخار وتطورها في منطقة غرب آسيا.

ولم تسجل أي منطقة في آسيا الغربية تطوراً ملحوظاً في صناعة الفخار خلال آلاف من السنين التي مرت بها كما شهدتها ايران. ومن مراكز نشوء الفخار في ايران يمكن الاشارة الى منطقة جبال زاغرس الوسطى قبل الميلاد بآلاف السنين، وأما بالنسبة الى ظهور وصنع ماكنة الفخار وأفران الفخاريات وأدواتها فيعود تاريخه الى الألفية الرابعة قبل الميلاد.

الفخاريات اصطلاحاً تطلق على الأشياء التي تصنع من الطين والصلصال المفخور بالنار مثل الأواني والصحون وما الى ذلك. فهذه الأشياء اذا كانت مطلية تسمى بالخزفيات والا فتسمى بالفخاريات.


الفخار في الحقيقة هو أول نتاج فني صناعي جادت به أيدي الانسان البدائي في غابر الايام كما أنه نتيجة طبيعية لحاجات الانسان ومشاعره عند ارتباطه بالبيئة وما يجري حوله. وبما أن المكونات الرئيسية للفخار كالطين (الصلصال) والماء والنار كانت تتوفر في كل منطقة سكنها الانسان، لذا نتمكن بالطبع من العثور على ما يدل على صنعه وانتشاره في كل المناطق المؤهلة بالسكان.

ان أقدم الفخاريات التي تم العثور عليها خلال أعمال التنقيب والحفريات التي أجريت في ايران في الماضي، تعود الى منطقة «كنج دره» الواقعة في محافظة كرمانشاه غرب ايران، حيث يرجع تاريخ هذه المكتشفات الى حوالي الألفية الثامنة قبل الميلاد.

ويقول خبير الآثار الفرنسي «غيرشمن» انه وقبل عشرة آلاف عام كان يقطن في جبال «بختياري» بايران، قوم يعيشون على صيد الحيوانات ناهيك عن أنهم كانوا يصنعون أواني فخارية وفي الألفية الرابعة قبل الميلاد، أحدث صنع ماكنة الفخار في ايران نقلة نوعية في صناعة الفخاريات في هذا البلد، فضلاً عن أن هذه الحقبة التاريخية شهدت تطوراً بارزاً في استخدام الفنانين وصناع الفخاريات نقوشاً هندسية لتزيين الأواني ورسم صور ونقوش عن الحيوانات عليها.

واستخدم صانعو الفخاريات فيما بعد صوراً وأشكالاً تعبر عن معتقداتهم وحتى حياتهم والظروف الاجتماعية التي عاشوها. كان صانع الفخار الايراني القديم وحين رسمه أشكالاً ونقوشاً على الفخاريات، كان بمثابة شاعر ينشد أبياتاً.

ويحاول صانع الفخار الرسام مستعيناً بحاسة البصر أن يعكس مشاهد الحيوانات والإنسان بإظهارها على صناعاته الفخارية هذه، وكمثال على ذلك، نذكر أن رسم خطوط مموجة موازية داخل شكل دائري أو مستطيل يرمز الى الماء، أو رسم مثلث ذي تخطيط متقلب يدل على جبل، او رسم مربع تتخلله خطوطٌ مموجة وتقسّمها خطوط أفقية وعمودية، يرمز هذا المربع الى أرض زراعية.

إن من أحد التقاليد البارزة المألوفة لصنع الفخار في ايران هو الفخار ذو اللون الأحمر المنقوش، فهذا النوع من الفخار كان له انتشار واسع في المناطق المتاخمة لصحاري وسط ايران، ويعود عمره الى الألفيتين الخامسة والسادسة قبل الميلاد. هذه الأنواع من الفخاريات، كما مرّ ذكره، كانت يدوية الصنع وتم انتاجها باستخدام عجينة من الطين والرمل واوراق النباتات المفتتة.

ونظراً للدور الذي لعبته ايران في انشاء حضارة وثقافة عالمية عبر العصور والقرون المتعاقبة، واصلت ومازالت تواصل عطاءها الفني الراقي في الاحتفاظ بالمكتساب والتراث الفني ودورها الريادي في إبداع النتاجات الفنية بما فيها صناعة الفخار.

وفي العصر الحالي، نرى لفن الفخار الايراني امتداداً جغرافياً واسعاً من جنوب البلاد من الخليج الفارسي الى شمالها والمناطق المطلة على بحر الخزر مع الحفاظ على الخصائص المتميزة بكل منطقة وبيئة. وعلى ما يبدو فان الرسوم المنقوشة على الفخاريات هي الشيء الأبرز والتي لها جذور ضاربة في عمق تاريخ في صناعة الفخار على أيدي صانعيها وفنانيها المبدعين.


ومدينة «لالجين» بهمدان غرب ايران هي من اكثر المراكز العالمية شهرة وفاعلية في الوقت الراهن. هذه المدينة التي لها نشاط فني متواصل وسجل واسعٌ في انتاج الاواني الفخارية بمختلف أنواعها وأشكالها تعد من إحدى الجاذبيات السياحية في همدان وهي في الوقت نفسه عاصمة الفخاريات بايران.

تعبِّر فنون أيّة أمّة و مظاهرها الثقافية عموماً، عن طبيعة معتقدات هذه الأمّة و رؤيتها للعالم المحيط بها ، و نظراً لأن عراقة الأمم ، و عظمة ثقافاتها ، تتجلى بصورة مباشرة في فنونها ، فقد مثلت الفنون اليدوية مجالاً رحباً لإنعكاس الواقع الثقافي و تجلي المستوى الحضاري لأي شعب من الشعوب ، و بالتالي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بتاريخ فنّه.


ساعدت الرسوم و النقوش ، التي تحتفظ بها الأواني الفخارية و القطع الخزفية، في التعرّف على معالم الثقافة الإيرانية القديمة و طبيعة المفاهيم و المعتقدات و التقاليد ، التي كانت سائدة آنذاك، إذ إن معظم هذه الرسوم و النقوش مفعمة بالمفاهيم و الرؤى. و لكي نعي هذه المفاهيم و الرؤى، لابدّ من الإحاطة برموز الرسوم و تعابير النقوش ، التي ظهرت في الآثار الفنية و التاريخية المتوافرة بين أيدينا ، إذ لا يخفى أن الأشكال و التصاوير ، التي تمت الاستفادة منها في الآثار الفنية و التاريخية الايرانية ، ارتكزت في الأعم الأغلب إلى المبادئ الاعتقادية و القيم الأخلاقية ، التي كانت متداولة بين الناس.

و مما هو ملاحظ؛ إن الثقافة الايرانية القديمة؛ ارتبطت في الكثيرمن أبعادها بالخيال و القصص و الأساطير،التي كانت كل واحدة منها تعبيراً عن حاجة خاصة و انعكاساً لتطلعات ملحة و هادفة؛ و من هذه الناحية ارتبطت الأساطير و الخرافات، باعتبارها مظهراً من مظاهر الثقافة ،‌ ارتباطاً مباشراً بالإبداع الفني القومي ، إذ كانت الأسطورة وسيلة التعبير الأولي عن نظرة الانسان إلى العالم ، و قد اقترنت بالرمز دائماً ، و لعلنا لا نجانب الحقيقة ، إذا قلنا إن الأسطورة و الفن ، هما وجهان لعملة واحدة ، و إنهما يشتركان في الغاية و الهدف.

الفن الإیراني - رسوم الخزف الايراني

يعد الخزف ، أحد أقدم الفنون الإيرانية، و ترجع الأبحاث التاريخية و دراسة الآثار التاريخية ، التي تمّ العثور عليها في ايران، تاريخ صناعة الخزف إلى حوالي عشرة آلاف سنة مضت؛ ففي البداية كان الخزاف يصنع أوانيه بأيديه المعجونة بالفن ، و يظهرها بمظهر جذاب ، يدل على فنه و إبداعه ، ثم فكّر في صنع عجلته ، التي أخذت على عاتقها في القرن الرابع قبل الميلاد دوراً مهماً في صنع الخزف ، و قد أوجد هذا الاكتشاف تحولاً كبيراً في سعة انتشاره و حجم انتاجه ، فضلاً عن دقته و جماليته.


كان الخزف في البداية يحمل نقوشاً هندسية و تزيينية ، ثم أصبحت فما بعد اشكال الحيوانات ، هي الطاغية ، و بعد فترة راح الفنانون ، يبتكرون مواضيع أخرى استلهاماً من معتقداتهم ، و أحياناً من الظواهر المحيطة بهم ،و في هذا المجال عبروا عن معظم مظاهر الحياة في أبعادها الدينية و الأخلاقية و الفنية، في رسومهم على الفخار و الخزف ، و ان هذه النقلة تشاهد بوضوح في الحضارات الايرانية القديمة.

الفن الإیراني - رسوم الخزف الايراني

و مما تفيده الاكتشافات التي حصل عليها في هضبة «سيلك» في مدينة كاشان ،‌ و تلال «حصار» في دامغان ، و تلال «كيان» في نهاوند ، و « شوش » و بقية المناطق التاريخية ، ان سكان هذه المناطق ، كانوا قد اهتموا بصناعة الأواني الفخارية و الخزفية المنقوشة منذ الألف الخامس قبل الميلاد ، و ان الأشكال و الرسوم ، التي وجدت على سطوح الأواني، و التي عكست تصوراتهم و معتقداتهم الدينية و الثقافية دون أدنى شك، تجلت بابداع و جمالية ، ربما ليست لها نظير في بقية الحضارات ، و قد عزز ذلك الانطباع القائل ، بأن ايران كانت الموطن الأصلي للأواني المنقوشة، التي كانت ترى أحياناً باللون الأحمر، و أخرى باللون الحمصي و الرمادي ، و من بين هذه الأواني يمكن العثور على قطع خزفية ، تحمل صور الحيوانات و الطيور، و يبدو ان هذا النوع من الخزف صنع لأهداف تزيينية و كثيراً ما كان يستفاد منه في المعابد.

وضع تعليق

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا