بقلم صالح القزويني : شأني شأن أي كاتب واعلامي من المفترض عليه التمجيد والاشادة بالديمقراطية وسيادة الشعب والانتخابات، لأنه لا يستطيع العيش في أجواء الديكتاتورية والاستبداد والكبت الا اذا كان مؤمنا بتلك الأجواء، ولكن عندما أرى الكوارث والفساد الذي ينخر عظام البلدان والشعوب والتخلف في كل المجالات نتيجة العمليات الانتخابية هنا وهناك يجعلني أعيد النظر في التمجيد والاشادة بالديمقراطية وسيادة الشعب والانتخابات.

لا أريد نبش تاريخ الديمقراطية وسيادة الشعب والانتخابات ومن الذي اسسها ودعا اليها وعمل بها، ولكن الغرب هو الذي بلور ووضع آليات العمل بالديمقراطية المعاصرة، وبغض النظر عما اذا كان الغرب يعمل بآليات وقوانين الديمقراطية التي وضعها هو أم لا، ألا أن ما ينبغي قوله هو أن الديمقراطية نظام كامل ولا يمكننا أن ننفذ أحد آلياته التي تنسجم مع مصالحنا ونهجنا وننبذ الباقي الذي يتعارض معها، ولهذا السبب فان الديمقراطية تثمر في الغرب وتعطي نتائج مبهرة (حتى لو كانت نتائج متدنية) ولكنها لا تثمر في بلداننا، بل تعطي في الغالب نتائج عكسية ويتم استغلالها واستخدامها كأداة للتغطية على الفساد والتخلف والاخطاء.

ربما البعض يلقي لائمة التطبيق الخاطئ للديمقراطية على عاتق حكوماتنا، ولكنها ليست السبب الرئيس في استغلال الديمقراطية لمصالحها سواء الشخصية أو الفئوية أو القومية أو الطائفية، وانما المشكلة الرئيسية في ذلك هي أن الديمقراطية على الطريقة الغربية لا تنسجم مع تقاليدنا وتعاليمنا وخاصة التقاليد والتعاليم الاجتماعية والدينية، فعلى سبيل المثال فان الديمقراطية الغربية تمنح مساحة واسعة للحرية الشخصية، ولكن ديننا ومجتمعاتنا لا تسمح بذلك.

المحصلة النهائية للديمقراطية هي تولي شخص أو مجموعة تقود المجتمع والبلد الى بر الامان، ويسعون الى حل كافة مشاكله وفي مقدمتها المشاكل الاقتصادية بالاضافة الى أنهم يمنعون أي عدوان على البلد والمجتمع، ولكن هل هذا ما يحدث في بلداننا التي تطبق الديمقراطية وتجري العملية الانتخابية وترضخ لارادة الشعب في اختيار مرشحيه سواء للسلطة التنفيذية أو التشريعية؟

ظاهر الأمر أن كل شيء يجري وفق الآلية الانتخابية التي تعتبر الركن الاساسي للديمقراطية وسيادة الشعب، ولكن عندما نأتي للواقع نرى أن الأوضاع لا تتحسن وحسب بل تزداد سوءا خاصة على الصعيد الاقتصادي، وتتحول الديمقراطية من أداة لتقوية البلاد في كافة المجالات وتحصينها من الارتهان للخارج، الى وسيلة لتخلف البلاد وارتمائها في حضن الخارج والارتهان لكل مجالاته.

شئنا أم أبينا فان الحديث عن وعكة الاقتصاد الايراني تقودنا الى الحديث عن سيادة الشعب والعملية الانتخابية في ايران، وكنت متعمدا عندما تحدثت في المقال السابق عن التقدم الذي تحرزه ايران خاصة على الصعيد العسكري والأمني في الوقت الذي بقي فيه اقتصادها متوعكا يستخدمه خصوم ايران للهجوم على النظام الحاكم والشعب، فكان هدفي من المقارنة هو تبيين الفرق بين الجانب العسكري والأمني وبين الجانب الاقتصادي.

ولمزيد من التوضيح، أقول أن جانبا من المؤسسات والأجهزة في ايران يتولى قائد الثورة الاسلامية تعيين الأشخاص المسؤولين عنها، وهناك مؤسسات وأجهزة يقوم رئيس الجمهورية بتعيين مسؤولين عنها، وبشكل عام فان السلطة التنفيذية بما فيها الوزارات يتولى رئيس الجمهورية شؤونها وكل وزير هو قمة هرم التعيينات في وزارته، ومع أن الدستور يؤمن بتفكيك السلطات واستقلالها ولكن بامكان البرلمان أن يستجوب المسؤولين واذا ثبتت عدم أهليته فانه يحجب الثقة عنه ويطيح به، ورغم كل ذلك نرى أن الاقتصاد يتوعك ويصل الى حد الانهيار، مع كل ضربة يتلقاها من الخارج على عكس المجال العسكري والامني فان قوته تتضاعف وتتضاءل ثغراته كلما واجه الضغوط والتهديدات.

اذا كان المبرر هو التحديات والضغوط الخارجية، فان الجانب العسكري والأمني يواجه ذات التحديات والضغوط بل ربما الضغوط والتهديدات التي تواجه المجال العسكري والامني الايراني أكثر من الاقتصادي، فاذا كان السبب هو الضغوط الخارجية فمن المفترض أن يكون الوضع الامني في ايران منفلتا والجماعات الارهابية تصول وتجول وتنفذ ما تريد من عمليات اجرامية، وكذلك الحال فيما يتعلق بالمجال العسكري فلو كان الضغط الخارجي مبررا لما كانت القوات المسلحة الايرانية  قادرة اليوم على رد أي عدوان، بينما نرى انها ترد على العدوان بل تهدد العدو وتنفذ تهديداتها.

اذن، لا ينبغي علينا رمي المشاكل الاقتصادية في ايران على الضغوط الخارجية ونريح أنفسنا وانما نبحث عن أسباب أخرى ولعل الهيكليات الادارية في المجال الاقتصادي والتي هي ثمرة العملية الانتخابية أحد الاسباب الرئيسية في توعك الاقتصاد الايراني.

بالتأكيد هذه ليست دعوة لنبذ الديمقراطية ومخرجاتها وانما للتأشير على أن الانتخابات لا تفرز دوما المؤهلين لقيادة البلدان والسير بها الى بر الأمان وحل مشاكلها بل احيانا يشكلون سببا في تخلف البلدان وفسادها وانهيارها، مما يتعين على الشعوب تحري الدقة الكاملة فيمن يمثلها ويقودها وينتشلها من مشاكلها.

كاتب ايراني

وضع تعليق

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا