بقلم علاء الخطيب : تحظى الورقة الايرانية بأهمية بالغة في الانتخابات الامريكية باعتبارها الورقة الرابحة للرئيس ترامب ولربما للرئيس القادم , فملف العلاقات الامريكية الايرانية شائك التعقيد, وذو مكانة في السياسة الامريكة في الشرق الاوسط , اذ تعتبر الولايات المتحدة ان ايران تعرقل الكثير من خططها في هذه المنطقة الحيوية من العالم. لذا تسعى الى ايجاد حل لهذه المعضلة المزمنة, كما ان ايران تعتبر السياسة الامريكية معادية لها وتحابي اسرائيل على حساب دول المنطقة مما يسبب التوتر وعدم الاستقرار, كما تعتبرها سبب ازمة العلاقة بينها وبين الدول العربية في محيطها الاقليمي.
الرئيس ترامب وبعد ازمة التظاهرات والانتفاضة الداخلية على سياسته، شعر بأن الحلقة بدت تضيق شيئاً فشيئاً عليه , و تنحسر فرص فوزه بولاية ثانية كما كان يأمل , فقد اشارت استطلاعات الرأي لمعهد غالوب ان شعبية ترامب ازدادت الى 43% قبل خمسة اشهر الا انها تراجعت الى 35% بعد الاحداث الاخيرة في امريكا ، وتقدم منافسه الديمقراطي بايدن عليه بـ 18 نقطة.
وبعد التظاهرات التي اندلعت في الولايات الامريكية إثر مقتل جورج فلويد على يد شرطي امريكي , وتزامناً مع المواجهة مع الصين ومنظمة الصحة العالمية واتهامها بمحاباة الصين , لجأ الرئيس الى رفع الكتاب المقدس لكسب المتدينين الانجيلين, إلا إنه لم ينجح في هذه الخطوة , فقد هاجمه رجال دين كثر واعتبروا ذلك عمليه استغلال الدين من اجل مكاسب انتخابية.
لم يتوقف سيد البيت الابيض عن محاولاته لكسب الاصوات وتحسين صورته قبيل الانتخابات وعزم ان يلعب بالورقة الايرانية لدغدغت مشاعر الداخل الامريكي , حين أطلقت طهران سراح الجندي في البحرية الامريكية مايكل وايت الذي قضى 683 يوماً في سجونها, قال ترمب : يسعدني ان أعلن ان المخضرم مايكل قد غادر ايران وسيعود الى منزله , واعتبر ذلك نصراً لسياسته مع ايران , كما شكر ايران على هذه الخطوة وأكد على امكانية التوصل لاتفاق معها وكتب على صفحته بتويتر (شكراً إيران، هذا يُظهر أنّ التوصّل إلى اتّفاق أمر ممكن) , وكرسالة تهدئة لطهران سحب منظومة الباتريوت من المنطقة، وخفف العقوبات عليها التي ادت الى استلام ايران 400 مليون دولار ثمن تصدير الكهرباء للعراق وسمح باتفاق لتصدير الكهرباء لمدة عامين واتفاقات اخرى.
كما اطلقت الولايات المتحدة سراح العالم الايراني مجيد طاهري , وتبادل الطرفان رسائل ايجابية من خلال تغريدات ظريف _ ترامب على تويتر. وفي خطوة اخرى لاثبات حسن النية غضت امريكا الطرف عن السفن الايرانية المتجه الى فنزويلا وسوريا لتحقق ايران نصراً اعلامياً في فنزويلا.
وربما كان غض الطرف لتمهيد الطريق للايرانيين للدخول معه بمفاوضات وتهيئة الاجواء من خلال ارضاء الداخل الايراني. وكل ذلك كان من اجل الحصول على نصر دبلوماسي وتعزيز دور الرئيس الامريكي في الداخل مع قرب الانتخابات الامريكية في نوفمبر الماضي. دعا ترامب ايران للحوار. ولوح بامكانية التوقيع على البرتوكول الاضافي ، من جانبها لم تمانع ايران او ترد هذا العرض , ولكنها اشترطت التوقيع بعد الانتخابات الرئاسية الامريكية.
الشرط الايراني ازعج ترامب واعتبره استغلال لوضعه المتدهور شعبياً , وقام بمحاولة ثانية لجر ايران لطاولة المفاوضات من اجل تحقيق نصر دبلوماسي في هذا الملف , وظلت ايران مصرةٌ على موقفها . فقام بزيادة الضغظ وفرض عقوبات اضافية عليها لاجبارها على الجلوس مع الجانب الامريكي , مستغلاً الظرف الاقتصادي والصحي الذي تمر به ايران, الا أن ازمة الثقة بين الطرفين حالت دون ذلك.
محاولات ترامب لانقاذ نفسه والخروج من ازمته لا زالت مستمرة, فقد اعتبر ترامب ان فوزه في الانتخابات القادمة اصبح عسيراً وتوقع خسارته كما قال لاحد الصحف الامريكية , وعلل ذلك بطريقة التصويت عبر البريد الالكتروني.
لكن مما زاد الطين بله هو صدور كتاب لمستشار الامن القومي جون بولتون الذي فضح تصرفات الرئيس, واخفاقاته واحاديثه السرية. واعقب ذلك صدور كتاب لـ ابنة أخيه ضده. وتوالت الصفعات الداخلية للرئيس من خلال التصريحات التي ادلى بها عمدة بوسطن وفنانون ومثقفون امريكيون كبار ضده. فلم يبقى لدى ترامب سوى الورقة الايرانية , وهي الورقة الاقوى التي يستطيع فيها المناورة لرفع مناسيب شعبيته. فاستخدم نظرية العصا والجزرة فقام بفرض عقوبات على ايران وحلفائها حزب الله وسوريا (قانون قيصر) وبالمقابل قام بتقديم اغراءات من اجل الوصول الى غايته. فالمفاوضات العراقية الامريكية والعرض الذي قدمه للبنان مؤخراً , كلها اوراق يلعب بها الرئيس للوصل الى الضفة الايرانية وتحقيق الفوز. لكن ترامب يواجه عناداً واصراراً ايرانياً على عدم اعطائه فرصة للخروج من ورطته.
لكنه لم يستسلم للواقع وواصل محاولات الضغط ولكن هذه المرة عن طريق السيد بومبيو وزير خارجيته لتسويق برابغاندا فوبيا ايران كخطوة استباقية قبيل الانتخابات الامريكية . فقام بتحذير الاوربين بطريقة التهويل الاعلامي من الخطر الايراني , وينشر خارطة مزعومة من تمدد ما أسماه الارهاب الايراني على اوربا , وذلك تزامناً مع اقتراب فترة نهاية حظر بيع السلاح لايران في اكتوبر القادم الذي فرضه مجلس الامن , كما حث المجلس على اتخاذ خطوات جادة في طريق تمديد الحظر على ايران , وعد مراقبون هذه الخطوة بانها خطوة تحريضية من اجل انقاذ رئيسه ترامب التي انحدرت شعبيته بشكل كبير وبعد ان اصبحت حظوظه في ولاية ثانية صعبة جداً مع ما تمر به الولايات المتحدة من ظروف بسبب جائحة كورونا والتظاهرات التي عمت المدن اثر مقتل جورج فلويد على ايدي شرطي امريكي . وذكر وزير الخارجية الامريكية في تغريدة له على موقعه امس ان توريد السلاح الى ايران سيزيد من فرص انتشار الارهاب على حد زعمه , كما أعرب وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، عن أمله في أن يمدد مجلس الأمن الدولي حظر السلاح المفروض على إيران، وذلك بعد ساعات من نشره خريطة تظهر المخاطر المرتبة على رفع الحظر، ولا سيما على الدول الأوروبية.
كل ذلك يشير بوضوح الى افلاس ترامب وعدم تمكنه من اللعب في الورقة الايرانية.
ولكن ثمة من يقول ان الانتخابات الامريكية لا تحكمها اللحظة الزمنية ، بل هي منظومة متكاملة، فقد ايقظ ترامب مشاعر البيض وهم يمثلون ثلثي نفوس امريكا كما وفر ملايين فرص العمل، واوقف الهجرة ودفع الاقتصاد الامريكي بقوة، ولا ننسى حاجة اسرائيل لوجوده. وهذه كلها عوامل يجب ان تأخذ بالحسبان، لكن هناك عوامل مهمة اغفلها اصحاب هذا الرأي وهي ان ترامب ليس الرئيس الوحيد الذي دعم اسرائيل، فدعم الدولة العبرية من ثوابت السياسة الامريكية سواء كان ترامب في السلطة ام غيره.
اما ايقاظ مشاعر البيض، لا اعتقد انها نقطة مهمة وجوهرية، كون اغلب خصوماته سواء كانت مع من عمل معه أو مع السياسيين الاخرين هي مع البيض، وهؤلاء لهم جمهورهم في الشارع الانتخابي، اضف الى ذلك الخصومة التي دخلها مع وسائل التواصل الاجتماعي تويتر والفيسبوك والصحافة، وهؤلاء حتما لن يكونوا الى جانبه في حملته الانتخابية ان لم يكونوا ضده.
ففي كل الاحوال ستبقى الورقة الايرانية طوق النجاة لتحقيق ما يصبو اليه الرئيس ترامب فهل تتحقق ؟؟؟.
كاتب عراقي