بقلم “محمد حسن البحراني” : المواقف والتصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” في أول مؤتمر صحفي عقده، تفيد ان العراق ربما ستتاح له هذه المرة فرصة دخول مرحلة جديدة مختلفة عن تلك التي شهدها طيلة الفترة التي اعقبت الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 .

بنصف ساعة فقط استطاع الكاظمي وبلغة صريحة وسهلة اقناع من استمع اليه من العراقيين بانه يختلف عن إولئك الذين سبقوه في قيادة العراق على مدى الأعوام السبعة عشر الماضية.

اما لماذا نجح الكاظمي في ذلك، فلأنه تناول وحدد ثلاث مهمات تمثل لغالبية أبناء العراق أولويات أساسية الزم نفسه بتنفيذها في المرحلة الانتقالية الحالية والتي توقع لها ان لاتستغرق أكثر من سنة ونصف.

الأولى هي إجراء انتخابات برلمانية مبكرة بعد استكمال قانونَي الانتخابات والمفوضية.

والثانية؛ الانتهاء من الجدل القائم حول الوجود العسكري الامريكي في العراق، واللافت ان الكاظمي وهو يتناول ملف الوجود العسكري الامريكي والذي تفاعل بشكل حاد بين القوى السياسية بعد اغتيال قائد فيلق القدس الايراني الجنرال قاسم سليماني ورفيقه ابو مهدي المهندس في بغداد، حاول النأي بنفسه عن انجاز هكذا مهمة حساسة واستراتيجية من خلال القاء المسؤولية على عاتق المرجعية الدينية والبرلمان، بينما البرلمان كان قد حسم موقفه بشكل واضح ازاء هذه القضية عندما اصدر في مطلع العام الجاري قرارا الزم فيه الحكومة بإخراج القوات الاجنبية، والمرجح هنا هو ان ادارة الرئيس ترامب وبسبب التهديدات التي باتت تشكله فصائل المقاومة العراقية على وجودها العسكري فضلا عما قد تشكله ايران من تهديد دائم لقواتها ومصالحها في المنطقة ستجد نفسها مضطرة قريبا اما لانهاء هذا الوجود كليا أو الاكتفاء بالابقاء عليه بشكل رمزي.

اما المهمة الثالثة والأكثر أهمية بالنسبة للعراقيين في ظروفهم الراهنة فتتمثل بمواجهة ظاهرة الفساد والفاسدين التي تغولت في العراق بشكل خطير جدا والى الحد الذي لم تبق فيه من خيرات العراق شيئا يذكر سوى ماأبقاه الله مخزونا في باطن أرضه من احتياطي نفطي هائل حيث فشل الفاسدون في سرقته، وهنا وضع الكاظمي إصبعه على وجع العراق الحقيقي عندما توقع انه سيواجه في هذه المهمة غضب قوى سياسية عديدة وصفها بـ”الصديقة”، ولم يجانب الرجل واقع الحال في وصفه هذا وهو الذي يدرك جيدا ان بعض المافيات السياسية هي من شاركت مرغمة أو على مضض في ترشيحه وإيصاله الى كرسي رئاسة الوزراء، بعد ان أصبحت على قناعة أن قواعد المشاركة في اللعبة السياسية في العراق قد تغيرت وأن التمسك بإمتيازات السلطة لم يعد لصالحها امام إنتفاضة الشعب الذي بات يشكل الرقم الاصعب في مسار ومستقبل العملية السياسية العراقية.

المتوقع ان تلقى المواقف والوعود التي عبر عنها رئيس الوزراء الجديد في مؤتمره الصحفي الأول صدى إيجابيا لدى المواطن العراقي. وإذا ماعزز الكاظمي الأقوال بأفعال تلمسها الشرائح الاجتماعية المهضومة حقوقها يكون قد كسب ولأول مرة ثقة العراقيين بحكامه مرة أخرى بعد ان فقدت هذه الثقة تدريجيا خلال السنوات الماضية حتى تلاشت نهائيا نتيجة مبالغة الطبقة السياسية في فسادها وطغيانها.

اذا نجح الكاظمي فيما وعد به يمكن ان نتحدث انذاك عن دولة العراق، اما اذا فشل فالخوف على العراق من دخوله مرحلة التيه والتفتت والضياع يصبح امرا غير مبالغ فيه.

وضع تعليق

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا