شخصيات ايرانية – عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي البصري، ولد في مدينة شيراز عام 760 أو 765 وتوفي عام 796 للميلاد، يُكنّى أبا بِشر (سيبوَيْه) الكلمة الفارسية التي تعني رائحة التفاح أو ذا الثلاثين رائحة ..

يقال ان أصل لقبه (سيبويه) هو لجماله واحمرار وجنتيه وإنّ رائحته الطيبة كانت السبب في لقبه هذا. من مدينة شيراز، هاجر أهلُه إلى مدينة البصرة جنوب العراق، وكانت واحدة من أنشط المدن ومركزا قويا من مراكز الثقافة والعلوم الإسلامية، فضلا عن الاقتصاد؛ الأمر الذي أغرى أسرته بالبقاء فيها. ذلك هو سيبويه الذي فاق كثيرا من أئمة العرب في معرفة علم النحو في اللغة العربية وأصوله وخباياه، وأضحى إمام مدرسة كبيرة في هذا المضمار، هي المدرسة البصرية التي لا تزال حتى يومنا هذا واحدة من المدارس الكبرى التي يستقى منها أصول علم النحو ووجوهه، وفي ظل هذه البيئة العلمية والثقافية الجاذبة، طفق سيبويه يطلب العلم بها، واستهواه في بادئ الأمر دراسة الحديث والفقه، فصحب الفقهاء وأهل الحديث.

لم تَعرِف اللغة العربيّة النحو والصرف، بل كانت لغًة محكيّة ترتبط بسليقة ابن الجزيرة العربية وفطرته، وتثريها بيئته بكل ما يناسبها من تعابير وألفاظ، ومع اتساع رقعة البلاد التي سيطر عليها المسلمون، وشروعهم في مشروع دولة فعلي، كثُرت مراسلاتهم، كما قادت الفتوحات شعوبًا لم تعرف العربية، لتصبح جزءًا من المجتمع العربي، فأصبحت الحاجة ملحة لضبط قواعد اللغة العربية حفاظًا عليها مما يداخلها.

يُعدّ سيبويه من أشهر علماء اللغة العربية على الاطلاق وهناك من يعتبره الأشهر بلا منازع، لُقّب بعمدة النُحاة وبحر اللغة، يُحسب له تبسيطه لعلم النحو، وقد تتلمذ على يد العديد من الشيوخ والعلماء وساد أهل عصره في اللغة على حداثة سنّه، وله فيها كتابه الكبير أو كما يعرف بـ “كتاب سيبويه”، حيث جمع فيه كل أقوال علماء النحو السابقين وأضاف عليها قواعد مستخلصة من اختلاطه بالعرب الفصحاء، وقد أصبح الكتاب المصدر الفريد لعلمَي النحو والصرف بالإضافة إلى علم الأصوات، يعتمد عليه الدارسون مهما اختلف بهم الزمان والمكان.

وعلى الرغم من أنه مات شابًا في الثلاثينيات من عمره إلا أنه خلّف وراءه ميراثًا لغويًا عريقًا في ذلك الفتى الذي لم يكن يعرف إلا اللغة الفارسية في مبتدأ حياته، لكنه لم يعلم أن الأقدار تخبئ له من الغرائب ما سيجعله أحد أئمة اللغة العربية، وأكثرهم عبقرية ونباهة وحفظا. وكان يأخذ عن المحدث الشهير حمّاد بن سلمة البصري، وكان رجلا دقيقا شديد الأخذ، لا يحب اللحن في العربية قط. ثمة رواية تقول إنه أخطأ ولحن لحنا فاحشا، حتى قال له شيخه: يا فارسي لا تقل الصفاء؛ لأن الصفا مقصور، فلما فرغ من مجلسه كسر القلم، وقال: لا أكتب شيئا حتى أُحكمَ العربية، وقد انطلق سيبويه يطلب النحو والعربية عند العلامة الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب معجم “العين” (المعجم الأول للغة العربية)؛ كما تعلم عند الأخفش الأكبر أحد مشاهير النحو والعربية، وكذلك أبو عمرو بن العلاء وطبقته، بل إنه تعلّم الأعراب ولازمهم كثيرا يسمع منهم ويُدوّن وكان الفراهيدي أحب الشيوخ لسيبويه.

كان سيبويه ثاقب الذهن، مستقل الرأي، ذا بصيرة نفاذة، وكان يُناقش أساتذته وينقدهم ويخالفهم في بعض المسائل، حتى إن البعض منهم كان يتحاشى مُساءلته لقوة مُناظرته وحُجّته وذكائه. دُعي سيبويه إلى بغداد من قبل البارزين فيها والعلماء، وهناك أعدت مناظرة بين كبيري النحاة: سيبويه ممثلًا لمذهب البصريين والكسائي عن الكوفيين، فقال الكسائي لسيبويه : تسألني أو أسألك؟ فقال سيبويه: بل تسألني أنت، قال الكسائي: كيف تقول في: قد كنت أحسب أن العقرب أشد لسعة من الزُّنْبُور “الدبور”، فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها بعينها؟ ثم سأله عن مسائل أخرى نحو: خرجت فإذا عبد الله القائمُ أو القائمَ؟ فقال سيبويه في ذلك كله بالرفع، وأجاز الكسائي الرفع والنصب، فأنكر سيبويه، فقال يحيى بن خالد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما، فمن يحكم بينكما؟ وهنا قال الكسائي منتهزًا الفرصة: الأعراب، وهاهم بالباب؛ فأمر يحيى فأدخل منهم من كان حاضرًا، وهنا تظهر خيوط المؤامرة، فقالوا بقول الكسائي؛ فانقطع سيبويه واستكان، وانصرف الناس يتحدثون بهذه الهزيمة.

حزن سيبويه حزنًا شديدًا وقرر أن يرحل فأزمع الرحيل إلى خراسان، وكأنما كان يسير إلى نهايته؛ فقد أصابه المرض في الطريق، ولقي ربه وهو ما زال في ريعان الشباب وذلك سنة 180هـ/ 796م. إنّ القدر لم يمهل سيبويه ليضع عنوانًا لكتابه أو مقدمة أو خاتمة، فمات سيبويه في ريعان شبابه، قبل أن يخرج الكتاب إلى النور؛ فأخرجه تلميذه أبو الحسن الأخفش إلى الوجود دون اسم؛ عرفانًا بفضل أستاذه وعلمه وخدمًة للغة القرآن التي عاش من أجلها أستاذه؛ فأطلق عليه العلماء اسم “الكتاب”.

وضع تعليق

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا