في نظرة أولى، يبعث قرار بومبيو دهشة غير قليلة إذ يجري زيارته الأولى من خلف البحر منذ نشوب أزمة كورونا إلى إسرائيل بالذات، وعشية أداء الحكومة الجديدة اليمين القانونية بالذات. فهل على جدول الأعمال الأمريكي – الإسرائيلي جملة من المسائل الملحة جدًا لدرجة أن معالجتها تستوجب المجيء في زيارة خاطفة، وذلك حتى قبل أن تترابط آخر الخيوط في تشبيك الائتلاف الجديد؟ جواب ذلك في السياقات الثلاثة التي أضاء بومبيو نفسه على الأقل طرف الجبل الجليدي لها عشية الزيارة وفي أثنائها. فمن ناحية بصرية، يبدو أن بومبيو حمل في جعبته إلى القدس رسالة ثلاثية تشبه الإشارة الضوئية، التي تتبدل أضواؤها وفقاً لموضوع البحث. الرسالة الأولى، ذات اللوان الأخضر والتي تعني إسناداً وتشجيعاً كاملين للنشاط العسكري الإسرائيلي ضد منظومات السلاح والقواعد الإيرانية في سوريا. وذلك من أجل استغلال ضعف طهران المتعمق والتسبب بتسريع عملية فك ارتباطها عن الأراضي السورية.

الرسالة الثانية، ذات اللون الأصفر، ترتبط بتوقيت قرار نتنياهو إطلاق مبادرة التشريع فيما يتعلق ببسط السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمالي البحر الميت. وشدد بومبيو في هذا الإطار على أن إسرائيل يحق لها بالفعل ممارسة التفكر الذاتي في هذه المسألة، وعليه فإن الرسالة لا تتضمن مطالبة أمريكية صريحة لتأجيل الخطوة.

ومع ذلك، يدور الحديث عن ضوء أصفر، فالإدارة تفضل أن تتم العملية بتنسيق أقصى مع واشنطن، وألا تخرج إلى حيز التنفيذ إلا بعد أن تستكمل دراسة الطواقم المشتركة للترسيم الدقيق لخرائط الأراضي التي ستندرج ضمن مجال السيادة الجديد. هذا الموقف الذي يؤيد التقدم الحذر والمنضبط في مسار بسط السيادة، يعكس المخاوف السائدة لدى محافل في الإدارة، ولا سيما في أوساط أسرة الاستخبارات من الآثار الإقليمية لبسط السيادة في غضون شهرين، وتطلعها لربط الأطراف التي لا تزال فالتة في الخطة.

من ناحية البيت الأبيض ثمة ميزة مركزية إضافية في نقل موعد بسط السيادة الإسرائيلية على غور الأردن من بداية الصيف إلى نهاية خريف 2020. فتنفيذ إسرائيل للمخطط بدعم رئاسي معلن عشية التوجه إلى صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة في 3 تشرين الثاني كفيل بأن يكون مثالياً من ناحية ترامب كعامل مشجع لجمهوره المستهدف من الإفنجيليين. فغالبيتهم المطلقة تؤيد بلا تحفظ هذا المدماك من خطة القرن، وبعض الأصوات اليهودية أيضاً.

في ضوء الصراع الشديد الذي يعيشه الرئيس اليوم حيال خصمه الديمقراطي جو بايدن، فإنه يرغب في بقاء هذا الحافز على الرف في المرحلة الحالية، فيمنع بذلك وضعاً يتبدد فيه تأثير الإعلان عن بسط السيادة ويغرق في هوامش المنصة في يوم الاختبار الحقيقي بالنسبة له.

المعركة الدولية اليوم في فجر حرب باردة جديدة بين واشنطن وبكين.

وأخيراً، الضوء الأحمر؛ فمع أن علاقات إسرائيل مع الإدارة وثيقة وبعيدة سنوات ضوء عن فترة الأزمة الحادة التي خيمت على علاقات رئيس الوزراء الأسبق باراك مع الرئيس كلينتون في أواخر عهد ولايته الثانية وأجبره على إلغاء صفقة الفالكون مع الصين في حينه، رسم بومبيو في زيارته خطاً أحمر في المجال الصيني. فقد نشأت في المجال العالمي ظروف جغرافية استراتيجية جديدة تستوجب حرصاً زائداً على أن تجتاز خطوطاً حمراء في كل ما يتعلق بنقل بنى تحتية وذخائر استراتيجية وتكنولوجية عظيمة القيمة في المستقبل إلى سيطرة العملاق الصيني.

إن المعركة الدولية اليوم في فجر حرب باردة جديدة بين واشنطن وبكين. والبيان الإسرائيلي أمس عن نية إعادة النظر في دخول الصين إلى مشروع التحلية في الجنوب، يشير بالفعل إلى تطلع نتنياهو إلى تقليص احتمال الاحتكاك على هذا المستوى المشحون مع الولايات المتحدة.

بقلم: ابراهام بن – تسفي
إسرائيل اليوم 14/5/2020

وضع تعليق

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا